Copyright © 2010 Aleya Rouchdy, All Rights Reserved
This article is by Professor Hasan Hanafi in the Egyptian Newspapter al masry al youm 1/5/2018. It provides a good analysis of the semantic ambiguities in the Arabic language.
يبدو أن وظيفة الإعلام لم تعد ما أسس من أجله وهو إيقاظ الوعى الوطنى بل أصبحت تهدف إلى نقيض هدفها الأول؛ وهو إسقاط الوعى القومى فى عملية تلاعب بالألفاظ من أجل إخفاء الموضوع ذاته، حتى لا يقترب أحد منه. والثقافة العربية مازالت ثقافة بلاغية يتحكم فيها جمال الألفاظ والقدرة على الاشتقاق والتصوير الفنى. وقد آمن العرب الأوائل بالإسلام، وهم أهل شعر وبلاغة، وأصحاب معلقات، عن طريق سماع القرآن، لون جديد من الشعر. به حلاوة. وعليه طلاوة. ومازالت الخطابة هى التى تتحكم فى الخطاب السياسى لسرعة التأثير بالنفوس وليس عن طريق الإقناع بالأدلة والبراهين، عقلية أو حسية، سمعية أو بصرية.
وقد ساعد على التلاعب بالألفاظ الطابع الاشتقاقى للغة العربية، وربما كل لغة، خاصة اللغات السامية. فالصلاة من صلى الطير، أى ارتفع إلى عنان السماء. فالصلاة ترفع الروح من علائق البدن. وتصفى النفس من شوائب الدنيا. والزكاة من زكى، أى نما. فالزكاة تنمية أى زيادة وليست نقصا كما يتصور مانعو الزكاة من البخلاء. والصيام من صام، أى امتنع، أى امتناع الأغنياء عن أكل جهود الفقراء. فكل لفظ له ثلاثة معان كما قال الأصوليون وعلماء اللغة. الأول المعنى الاشتقاقى وهو الأصل فى نشأة اللغة نشأة حسية من العالم الذى تدور فيه. والثانى المعنى العرفى. فاللغة ليست فقط نشأة بل هى أيضا تطور طبقا للأعراف والعادات الاجتماعية مثل الحدود والكفارات. والثالث المعنى الاصطلاحى. وهو المعنى الجديد الذى أتى به الوحى لتطوير الواقع الاجتماعى. فاللفظ ليس مجرد صوت ولكن له معنى. والاكتفاء بالصوت هو اكتفاء بالاشتقاق دون العرف والاصطلاح. أما التحليل السياسى فيذهب إلى الموضوع مباشرة. ويحلل جوانبه المختلفة والعوامل المتحكمة فيه. ولا يقع فى لعبة الألفاظ الصوتية. فيضيع الموضوع. ولا يكتفى التحليل السياسى بالعرض النظرى لمكونات الموضوع، بل يساهم فى وضع المشكلة الوضع الصحيح، وإيجاد حل لها. فعلم الاجتماع ليس علما نظريا فقط بل هو علم عملى.
فمثلا قيل فى أزمة الخليج الحالية بين دول المقاطعة فى رأى الدول الأربع أو الحصار فى رأى دولة قطر «جنت على نفسها قطارش» مستبدلا بكلمة براقش قطارش. وهو ليس حكما علميا بل مجرد لعب بالصوت اللغوى.
ويستمر التلاعب بالألفاظ مثل قطر، قطرة، قنطار. فقطر ما هى إلا دولة نشأت على ثروة النفط. ومنها بطرا شطر، أى أن هذه الثروة الكمية قد أدت إلى البطر بالحق. وتنتهى بشق قطر إلى قسمين، عائلة مالكة وشعب مملوك. والوطر مثل قطر، قضاء الوطر أى البحث عن المال والثروة. والخطر من قطر أيضا، أى أن اللغة تشرع للمقاطعة والحظر والحصار. والمطر ما ينقص قطر. فالماء هدية أخرى من السماء مثل النفط هدية الأرض. والأطر من قطر، أى وضع حواجز حولها. وسطر أيضا من قطر التى تريد أن تسطر تاريخها بالانفراد بالرأى عن باقى دول الخليج. وخطر وقطر صنوان. فقطر خطر على العرب.
إلى هذا الحد يبلغ التلاعب بالألفاظ بناء على التشابه الصوتى بين الكلمات التى قد يكون لها معان متضادة. وتكيف كلها من أجل تدعيم الحصار أو المقاطعة. ويصل الأمر إلى درجة عالية من التكلف والاصطناع. وكل معنى إيجابى يتحول إلى معنى سلبى. فمعانى الألفاظ تعطيها النوايا والمقاصد. والبحث عن كل ذلك فى قواميس اللغة، وليس بالتحليل العلمى الموضوعى للواقع الاجتماعى والسياسى. فيضيع الموضوع الجديد. وتعطى الأولوية للفظ على المعنى والشىء طبقا للأبعاد الثلاثة للغة. ويتوه المواطن ويفقد صوابه لعدم قدرته على التعامل مع هذا التلاعب اللفظى فى موضوع حيوى، الدراسة، الأسرة، المرض، الاستثمار، القرابة، الجيرة أو العروبة.
ويمكن أن يستعمل هذا التلاعب مع اسم كل دولة خلطا بين اسم الدولة الثابت ونظامها السياسى المتغير. ففى ساعة النصر مثل أكتوبر 1973 مصر ونصر رفيقان. وفى وقت الهزيمة تظهر المعانى السلبية للألفاظ الاشتقاقية. فمصر وبصر لا يلتقيان لأن مصر لم تعد تبصر ما حولها أو ما تحت قدميها. ومصر وعصر لا يلتقيان. فمصر لا تعرف فى أى عصر تعيش. يشدها السلفيون إلى الوراء ويدفعها العلمانيون إلى الأمام. والشعب صامد لا يريد هذا ولا ذاك بل يريد الأصالة والمعاصرة، وهو ما تبحث عنه الحركات الإصلاحية والنهضوية حتى الآن. ومصر وقصر يلتقيان عند الرأسمالى. ولا يلتقيان عند الاشتراكى. ففى التجمعات الجديدة هناك قصور تحيط بالعشوائيات القديمة، مما يدل على التقابل بين الأغنياء والفقراء. ومصر وحصر وخصر من نفس الاشتقاق. فمصر الآن تحاصر شمالا من فلسطين بإسرائيل وشرقا من سيناء من الإرهابيين، وغربا من تنظيم الدولة، وجنوبا من الحبشة التى أصبح فى يدها خنق مصر بالجفاف بعد بناء سد النهضة. وهى تحاصر أيضا من خصرها، أى من الوادى بتهديد الإرهاب للأمن القومى وللنظام السياسى. وأين الآيات القرآنية التى ذكرت فيها مصر. وهى خمس منها قول الله لبنى إسرائيل «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ». وهى آيات تتوجه إلى المعانى والأشياء وليس إلى الألفاظ.
ويمكن أن يقال نفس الشىء على العراق. فاللفظ من عرق نتيجة للجهد والعمل المضنى. ومنه أيضا عرقى وهو مشروب الينسون من الكحوليات. ومنه برق، أى وميض النور الذى يسطع ثم يختفى. ومنه أرق وهو عدم النوم لحمل الهموم. ومنه فرق أى مزق وهو ما يحدث الآن من تقطيع لوحدة العراق كالورق. ومثال ذلك أيضا مدينة مراكش التى كانت محاطة باللصوص. فإذا كان الطريق آمنا «مر»، وإذا كان غير آمن «كش». وسودان بلاد السود، وهم ليسوا وحدهم السود بل كل الأفريقيين.
إذن ما أسهل التلاعب بالألفاظ وتطويعها للأحكام المسبقة باسم التحليل السياسى. وهو ظلم للغة وظلم للواقع السياسى فى آن واحد.
This article is by Professor Hasan Hanafi in the Egyptian Newspapter al masry al youm 1/5/2018. It provides a good analysis of the semantic ambiguities in the Arabic language.
يبدو أن وظيفة الإعلام لم تعد ما أسس من أجله وهو إيقاظ الوعى الوطنى بل أصبحت تهدف إلى نقيض هدفها الأول؛ وهو إسقاط الوعى القومى فى عملية تلاعب بالألفاظ من أجل إخفاء الموضوع ذاته، حتى لا يقترب أحد منه. والثقافة العربية مازالت ثقافة بلاغية يتحكم فيها جمال الألفاظ والقدرة على الاشتقاق والتصوير الفنى. وقد آمن العرب الأوائل بالإسلام، وهم أهل شعر وبلاغة، وأصحاب معلقات، عن طريق سماع القرآن، لون جديد من الشعر. به حلاوة. وعليه طلاوة. ومازالت الخطابة هى التى تتحكم فى الخطاب السياسى لسرعة التأثير بالنفوس وليس عن طريق الإقناع بالأدلة والبراهين، عقلية أو حسية، سمعية أو بصرية.
وقد ساعد على التلاعب بالألفاظ الطابع الاشتقاقى للغة العربية، وربما كل لغة، خاصة اللغات السامية. فالصلاة من صلى الطير، أى ارتفع إلى عنان السماء. فالصلاة ترفع الروح من علائق البدن. وتصفى النفس من شوائب الدنيا. والزكاة من زكى، أى نما. فالزكاة تنمية أى زيادة وليست نقصا كما يتصور مانعو الزكاة من البخلاء. والصيام من صام، أى امتنع، أى امتناع الأغنياء عن أكل جهود الفقراء. فكل لفظ له ثلاثة معان كما قال الأصوليون وعلماء اللغة. الأول المعنى الاشتقاقى وهو الأصل فى نشأة اللغة نشأة حسية من العالم الذى تدور فيه. والثانى المعنى العرفى. فاللغة ليست فقط نشأة بل هى أيضا تطور طبقا للأعراف والعادات الاجتماعية مثل الحدود والكفارات. والثالث المعنى الاصطلاحى. وهو المعنى الجديد الذى أتى به الوحى لتطوير الواقع الاجتماعى. فاللفظ ليس مجرد صوت ولكن له معنى. والاكتفاء بالصوت هو اكتفاء بالاشتقاق دون العرف والاصطلاح. أما التحليل السياسى فيذهب إلى الموضوع مباشرة. ويحلل جوانبه المختلفة والعوامل المتحكمة فيه. ولا يقع فى لعبة الألفاظ الصوتية. فيضيع الموضوع. ولا يكتفى التحليل السياسى بالعرض النظرى لمكونات الموضوع، بل يساهم فى وضع المشكلة الوضع الصحيح، وإيجاد حل لها. فعلم الاجتماع ليس علما نظريا فقط بل هو علم عملى.
فمثلا قيل فى أزمة الخليج الحالية بين دول المقاطعة فى رأى الدول الأربع أو الحصار فى رأى دولة قطر «جنت على نفسها قطارش» مستبدلا بكلمة براقش قطارش. وهو ليس حكما علميا بل مجرد لعب بالصوت اللغوى.
ويستمر التلاعب بالألفاظ مثل قطر، قطرة، قنطار. فقطر ما هى إلا دولة نشأت على ثروة النفط. ومنها بطرا شطر، أى أن هذه الثروة الكمية قد أدت إلى البطر بالحق. وتنتهى بشق قطر إلى قسمين، عائلة مالكة وشعب مملوك. والوطر مثل قطر، قضاء الوطر أى البحث عن المال والثروة. والخطر من قطر أيضا، أى أن اللغة تشرع للمقاطعة والحظر والحصار. والمطر ما ينقص قطر. فالماء هدية أخرى من السماء مثل النفط هدية الأرض. والأطر من قطر، أى وضع حواجز حولها. وسطر أيضا من قطر التى تريد أن تسطر تاريخها بالانفراد بالرأى عن باقى دول الخليج. وخطر وقطر صنوان. فقطر خطر على العرب.
إلى هذا الحد يبلغ التلاعب بالألفاظ بناء على التشابه الصوتى بين الكلمات التى قد يكون لها معان متضادة. وتكيف كلها من أجل تدعيم الحصار أو المقاطعة. ويصل الأمر إلى درجة عالية من التكلف والاصطناع. وكل معنى إيجابى يتحول إلى معنى سلبى. فمعانى الألفاظ تعطيها النوايا والمقاصد. والبحث عن كل ذلك فى قواميس اللغة، وليس بالتحليل العلمى الموضوعى للواقع الاجتماعى والسياسى. فيضيع الموضوع الجديد. وتعطى الأولوية للفظ على المعنى والشىء طبقا للأبعاد الثلاثة للغة. ويتوه المواطن ويفقد صوابه لعدم قدرته على التعامل مع هذا التلاعب اللفظى فى موضوع حيوى، الدراسة، الأسرة، المرض، الاستثمار، القرابة، الجيرة أو العروبة.
ويمكن أن يستعمل هذا التلاعب مع اسم كل دولة خلطا بين اسم الدولة الثابت ونظامها السياسى المتغير. ففى ساعة النصر مثل أكتوبر 1973 مصر ونصر رفيقان. وفى وقت الهزيمة تظهر المعانى السلبية للألفاظ الاشتقاقية. فمصر وبصر لا يلتقيان لأن مصر لم تعد تبصر ما حولها أو ما تحت قدميها. ومصر وعصر لا يلتقيان. فمصر لا تعرف فى أى عصر تعيش. يشدها السلفيون إلى الوراء ويدفعها العلمانيون إلى الأمام. والشعب صامد لا يريد هذا ولا ذاك بل يريد الأصالة والمعاصرة، وهو ما تبحث عنه الحركات الإصلاحية والنهضوية حتى الآن. ومصر وقصر يلتقيان عند الرأسمالى. ولا يلتقيان عند الاشتراكى. ففى التجمعات الجديدة هناك قصور تحيط بالعشوائيات القديمة، مما يدل على التقابل بين الأغنياء والفقراء. ومصر وحصر وخصر من نفس الاشتقاق. فمصر الآن تحاصر شمالا من فلسطين بإسرائيل وشرقا من سيناء من الإرهابيين، وغربا من تنظيم الدولة، وجنوبا من الحبشة التى أصبح فى يدها خنق مصر بالجفاف بعد بناء سد النهضة. وهى تحاصر أيضا من خصرها، أى من الوادى بتهديد الإرهاب للأمن القومى وللنظام السياسى. وأين الآيات القرآنية التى ذكرت فيها مصر. وهى خمس منها قول الله لبنى إسرائيل «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ». وهى آيات تتوجه إلى المعانى والأشياء وليس إلى الألفاظ.
ويمكن أن يقال نفس الشىء على العراق. فاللفظ من عرق نتيجة للجهد والعمل المضنى. ومنه أيضا عرقى وهو مشروب الينسون من الكحوليات. ومنه برق، أى وميض النور الذى يسطع ثم يختفى. ومنه أرق وهو عدم النوم لحمل الهموم. ومنه فرق أى مزق وهو ما يحدث الآن من تقطيع لوحدة العراق كالورق. ومثال ذلك أيضا مدينة مراكش التى كانت محاطة باللصوص. فإذا كان الطريق آمنا «مر»، وإذا كان غير آمن «كش». وسودان بلاد السود، وهم ليسوا وحدهم السود بل كل الأفريقيين.
إذن ما أسهل التلاعب بالألفاظ وتطويعها للأحكام المسبقة باسم التحليل السياسى. وهو ظلم للغة وظلم للواقع السياسى فى آن واحد.
No comments:
Post a Comment